بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

         تعتبر ظاهرة التعدد والتنوع – داخل إطار الوحدة والتكامل – من أبرز ما يميز المغرب في بيئته الطبيعية والحضارية والثقافية، إن لم أقل كذلك في الذهنية ونمط التفكير والسلوك.

 

         ولعل اقتناعي منذ وقت مبكر بهذه الظاهرة التي غدت عندي حقيقة أو شبه حقيقة، هو الذي حثني على صوغ المنهج الذي سرت عليه في معظم دراساتي، ودعوت إليه – ولو موقتا إلى أن يتم جمع الشتات المبعثر في كل مكان – وهو الذي حفزني كذلك إلى محورة هذا المنهج حول ملمح إنساني، هو عنصر الإقليمية الذي كان بعض النقاد في المغرب والمشرق – وما زالوا – يعيبونه علي، معتبرينه أداة حصر وتضييق للمجال الواسع الذي ينبغي إتاحته للتراث العربي الإسلامي، في مختلف أشكاله وألوانه.

 

         وكان الرد عندي دائما أن بلوغ هذا المجال هو لا شك الهدف البعيد الذي نسعى جميعا إليه ؛ إلا أنه لا إمكان لإدراكه، فضلا عن استيعابه، ما لم نضع اليد على ما أنتجته جميع المناطق والأقاليم، مطبوعا بسمات هي وليدة هذه المناطق والأقاليم، وما أبدعت بيئاتها من تراث يضيق بتميزه مرة حتى ليكاد يتفرد بذاتية خاصة، ويتسع بملامح مشتركة مرة أخرى حتى ليبدو وكأنه شيء واحد. وإنه لكذلك حين ينظر إليه في النهاية وعبر جميع مقوماته ؛ إذ يتجلى كيانا متلاحما ومتناسقا.

 

         من هنا، وانسجاما مع رؤيتي للمنهج العلمي، من خلال ما طبقت منه وما دعوت إليه – في غير تعصب لمدينة أو تحيز لإقليم، بدليل ما سبق لي أن أنجزت من بحوث أو أشرفت على إنجازه – كان هذا الكتاب الذي هو سفر أول جمعت فيه كتابات كانت بنت وقتها ؛ تهم مدينة الرباط وما تضمه ولايتها من أقاليم شكلت جهة عاصمة المملكة. وهي تمس جوانب من التاريخ السياسي والثقافي والنضالي، مع لمحات عن بعض المظاهر الجغرافية والاقتصادية والاجتماعية وما إليها، مما قد يبدو لأول وهلة غير ذي قيمة، ولكنه على العكس يخفي جزئيات ذات فائدة يقدرها المعتنون الذين يدركون أهمية مثل هذه الجزئيات، في تكميل معالم الصورة ووضعها في إطارها الحق.

 

         وقد حرصت على أن أنشر هذه الكتابات، وفق ما قدمت عليه في مناسباتها، دون أي تغيير ؛ مما لا شك سيلاحظه القارئ الكريم – مثلا – عند الحديث عن صاحب الجلالة الحسن الثاني قدس الله روحه، وهو يومئذ ملك المغرب المتربع على عرشه ؛ وكذا عن خلفه ووارث سره جلالة الملك سيدي محمد السادس أدام الله عزه ونصره، وهو إذ ذاك ولي العهد.

 

         ونظرا للتباين الشكلي والكمي الذي يطبع مادة هذا السفر، فقد جعلته قسمين:

 

         الأول: خصصته لبعض الدراسات والعروض العلمية.

         الثاني: لممت فيه كلمات هي على قصرها وارتباطها بأنشطة معينة نظمت معظمها جمعية رباط الفتح، لا تخلو مما قد يلقي أضواء على الموضوع.

 

         وهذا ما دفعني إلى أن أعطي الكتاب عنوان "أضواء على الرباط: المدينة والجهة"، آملاً أن يُتَاح قريبا إن شاء الله ومد في الأجل، إصدار جزء ثان منه وربما ثالث ورابع ؛ ما تجمعت المادة الملائمة التي يتوافر لي منها شيء غير يسير.

 

         والله من وراء القصد.

         وهو ولي التوفيق والسداد.

 

الرباط في 10 ذي القعدة 1422هـ                                                 عباس الجراري

الموافق 24 يناير 2002م